آخر تحديث :الأربعاء - 22 يناير 2025 - 08:01 ص

كتابات واقلام


هوامش على هامش الأزمة اليمنية (7)

الثلاثاء - 21 يناير 2025 - الساعة 08:50 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


(7)
الداء والدواء
كنت وفي سياق التخاطب مع الأشقاء في دولتي التحالف العربي، قد أشرت إلى إن جذر الأزمة في اليمن، يبدأ في العام 1990م حينما أقدمت قيادتا ما كان يُعرف بالدولتين اليمنيتين، على محاولة توحيد بلديهما بصورة عشوائية مرتجلة بلا دراسة لعوامل النجاح وضماناته ولا لاحتمالات الفشل وإمكانية الحيلولة دون حصوله، وقد كانت عوامل الفشل بادية للعيان وما جرى بعد ذلك برهن أن هذه المحاولة كانت قفزة في الهواء بلا رؤية لأي محطة هبوط سوى المجهول الذي أنتج 1994م وما بعدها من تراجيديات متوالية.
ولم تكن حرب 1994م إلَّا نتيجة لفشل المشروع وتفوق نزعة الهيمنة والاستحواذ والغلبة على مثاليات أحلام التكامل والنهوض والازدهار، وما جرى بعد ذلك يعلمه الجميع.
تعلمنا مهنة الطبِّ أن التشخيص الدقيق والسليم للمرض ومعرفة مصدر الداء هو المدخل الوحيد الآمن لاستئصال المرض والحفاظ على الجسد المريض وصاحبه، ومن هنا فإن الاعتراف بجذر الأزمة يمكن أن يمثل مدخلاً لوضع الحلول المناسبة والناجعة التي تضمن عدم العودة إلى حالة الاحتراب والاقتتال والعداوات والكراهيات المتناسلة بين أبناء الشعبين في الدولتين.
وقد برهنت العقود الثلاثة الماضية من عمر تجربة التوحيد التعسفية الخائبة أن علاج الحالة اليمنية لن يتحقق إلا بالعودة إلى الوضع الطبيعي الذي كان عليه الأمر في العام 1990م وما قبله، وهذا بطبيعة الحال لا يقتضي بالضرورة العودة إلى أزمنة الحروب والنزاعات والمكايدات فقد نشأت أجيالٌ جديدة من السياسيين متحررة من ثقافة المؤامرة وأيديولوجيات الإقصاء والاستفراد، وصار تدبير حياة معيشية مستقرة وتوفير فرص أضمن للنهوض والتنمية ورفع مستوى معيشة الناس وبناء مصالح اقتصادية ومعنوية وإنسانية مشتركة أهم من غوغائيات انتصار الشعارات وتفوق النزعات الأيديولوجية والسياسية، حينما تتحول الأخيرة إلى عنصر أعاقة وتثبيط للاستقرار والنمو.
إن حل الدولتين اليمنيتين المستقلتين المتعاونتين والمتكاملتين هو الطريق الوحيد والأكثر ضمانا لاستقرار البلدين ونهوض شعبيهما بعيداً عن ثنائيات "الأصل والفرع" أو "الأخ الكبير والأخ الصغير" أو "التابع والمتبوع" أو "المنتصر والمهزوم" و"الناهب والمنهوب والسالب والمسلوب".
ومن المؤكد أن الشعبين سيصلان ذات يوم إلى هذا الحل لكن بعد أن يدفعا ضريبةً عالية الكلفة من الضياع والتشتت والكراهيات المصطنعة والأحقاد غير المبررة والعبث بالموارد والإمكانيات المحدودة أصلاً.
وبالعودة إلى ما يسمى بــ"الشراكة والمناصفة" فقد بينت تجربة السنوات الخمس المنصرمة منذ توقيع "اتفاق الرياض" أن المناصفة قد فشلت في تحقيق أبسط الأهداف التي جاءت من أجل تحقيقها، وبينت تجربة السنوات الثلاث من عمر مجلس القيادة الرئاسي أن الشراكة كانت وبالاً على شعب الجنوب بملايينه الستة، ولن نستعرض هنا تعدد الخيبات التي أوصلتنا إليه هذه الشراكة الخادعة وتلك المناصفة المغشوشة، ويكفي أن نذكِّر أن أول مدينة تعرف التيار الكهربائي في شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل مائة عام (مدينة عدن) هي اليوم بدون كهرباء، وما يتناسل من هذا العجز من تفرعات يعلمها الجميع من رداءة خدمات وانعدامها وتعّطُّل الحياة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة وما تنتجه من مجاعة وبطالة وعجز آلاف الأسر عن تدبير ثمن الخبز والماء بينما تكشف التقارير أن عشرات المليارات من الدولارات تهدر نهاراً جهاراً على رحى طاحونة الفساد، ولم يفكر قادة المناصفة والشراكة باتخاذ أي إجراء عملي من أجل إنقاذ حياة الناس من الانهيار.
إن السبب الرئيسي في هذا الوضع التراجيدي هو التركيبة المختلة في بنية الهيئات الحاكمة للمناصفة والشراكة، ففضلاً عن تورط أغلبية من يديرون شؤون البلاد في عمليات فساد منذ ما قبل ثلاثة عقود، وهذا موضوع يمكن تناوله بمزيد من التفاصيل لاحقاً، فإن مجلس الرئاسة الذي يدير شؤون الجنوب، نصف أعضائه قادمون من مناطق هيمنة الجماعة الحوثية، فرئيس المجلس لا يستطيع أن يزور مديريته ولا أي مديرية من المناطق المجاورة، وأغلبية الأعضاء الباقين ليس لهم أية صلة بأهلهم وحواضنهم الاجتماعية التي تقاتل بجانب الحوثي، لكن هؤلاء يمتلكون الصوت الأغلب في التحكم بالجنوب الذي تنحصر كل علاقتهم به أنهم كانوا من غزاته ذات يوم من أيام 1994م .
وما يقال عن مجلس الرئاسة يمكن أن يقال عن تركيبة الحكومة التي أغلب أعضائها لا يستطيعون زيارة قراهم ومديرياتهم ومحافظاتهم، بسبب خضوعها للهيمنة الحوثية ووقوف مواطنيهم ضدهم في صفوف المليشيات الحوثية، فمن لا يحرر قريته ولا يخدم أهلها لا يمكن أن يخدم المحافظات والمناطق الجنوبية التي ما يزال يتعامل مع سكانها بعدائية ونزعة احتلالية.
إن الحل المؤقت لهذه التركيبة المختلة يكمن في ما كنا قد تناولناه عدة مرات منذ أكثر من عامين، وهو:
1. إعادة تركيب الحكومة، من خلال مجلس وزراء مصغر، وتشكيل حكومتين تحت إشراف هذا المجلس:
أ‌. حكومة متكاملة التركيب تدير شؤون الجنوب، كمناطق محررة متكاملة الحضور للسلطات المحلية ومختلف الهيئات الحكومية.
ب‌. حكومة مصغرة لإدارة ما يتعلق بمحافظات الشمال وتدبير السياسات المتعلقة بالمعركة (السياسية أو العسكرية ) مع الجماعة الحوثية.
2. إعادة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي برئيس جنوبي ونائبين أحدهما لشؤون الجنوب والثاني لشؤون الشمال ويمكن توزيع الاختصاصات بين بقية أعضاء المجلس.
هذه الوضعية المقترحة ستمثل معالجة مؤقتة للأوضاع غير الطبيعية في المناطق التي يسمونها محررة، والمقصود هنا مناطق الجنوب، أما مديريات الشمال فإنها تنعم بحياة اقتصادية ومعيشية وخدمية آمنة تكاد تنافس مستوى المعيشة في بلدان الجوار الشقيقة كما هو الحال في مديريات محافظة مأرب.
إن هذه المعالجة المؤقتة يمكن أن تساعد مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة في الخروج من ورطتهما الأخلاقية والسياسية والوطنية قبل أن تندلع ثورة الغضب التي لن تستثني أحدا ممن يديرون البلاد بهذه الرداءة التي لم يسبقهم إليها أحد
والله المستعان