آخر تحديث :السبت - 04 يناير 2025 - 09:02 ص

الصحافة اليوم


كيف يحصّن الحوثيون بنيتهم القيادية وقدراتهم العسكرية؟

الأربعاء - 01 يناير 2025 - 01:49 م بتوقيت عدن

كيف يحصّن الحوثيون بنيتهم القيادية وقدراتهم العسكرية؟

تقرير عبداللاه سميح

في وقت يصل فيه الوعيد الإسرائيلي إلى مراحله الأخيرة، تعود ميليشيا الحوثي للمراهنة على بيئتها الجبلية القديمة، كاستراتيجية للصمود في مواجهة أي عمليات عسكرية دولية واسعة، تهدد وجودها ومستقبلها.


وعلى وقع التوترات المتصاعدة، والهجمات المتبادلة بين الجانبين، عقد مجلس الأمن الدولي مساء أمس الاثنين، جلسته الطارئة التي دعت إليها تل أبيب، للوقوف أمام هجمات الميليشيا الحوثية.



ويرى مراقبون أن الخطوة "تهدف إلى حشد الأدوات القانونية والأخلاقية، تمهيدا لعمليات عسكرية عنيفة في اليمن".


وبعد بضع ساعات من "التحذير الأخير" الذي دعا فيه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الحوثيين للتوقف عن هجماتهم أو مواجهة "مصير تعيس"؛ أطلقت الميليشيا صاروخين جديدين نحو تل أبيب فجر الثلاثاء.


وجاء ذلك أيضا عقب أيام من تهديدات أخرى لوزير الدفاع، يسرائيل كاتس، توعد فيها باستهداف بنية الحوثيين التحتية الاستراتيجية وقطع رؤوس قادتهم.



ويعتمد الحوثيون في مواجهتهم المرتقبة، على المنشآت المحصنة تحت الأرض في المناطق الجبلية المنتشرة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، شمالي البلاد، في إبعاد بنيتهم القيادية العليا وقدراتهم العسكرية الاستراتيجية، عن دائرة الاستهداف، في ظل "العمى" المعلوماتي لدى الجانب الإسرائيلي، وعدم كفايته لدى حلفائه الأمريكيين، منذ إغلاق السفارة في صنعاء، وتوقف عملياتهم ضد "تنظيم القاعدة".


ومنذ اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بدأت ميليشيا الحوثي، في اتخاذ تدابير أمنية إضافية، لتوفير الحماية اللازمة لمستويات قيادية معينة، وقلصت دائرة تواصلهم، وفرضت إجراءات مشددة على تحركاتهم، خشية وقوع اختراقات أمنية أو عمليات اغتيال.


ارتباط قديم

وتعود العلاقة بين الحوثيين والتضاريس الجبلية الوعرة، إلى العام 2004 الذي شهد انطلاق حروبهم الست ضد الدولة اليمنية بمعقلهم الرئيس بمحافظة صعدة؛ إذ استخدموا خلالها الكهوف الطبيعية، كنواة لإنشاء نظام أنفاق بدائي، لإدارة القتال ضد الجيش والتخفي من ضرباته الجوية.


واستفاد الحوثيون بعد انقلابهم على الحكومة الشرعية في العام 2015، من الأنفاق العسكرية التي شيدها نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، خاصة في العاصمة صنعاء، رغم تعرضها لضربات جوية من قبل التحالف العربي.


ويشير "المعهد الدولي للأبحاث الاستراتيجية" البريطاني، في تقرير سابق، إلى نشاط متصاعد للحوثيين في بناء منشآت عسكرية جديدة بالكامل تحت الأرض، منذ توقف العمليات العسكرية ودخول الهدنة الأممية حيّز التنفيذ خلال الربع الأول من العام 2022، فضلا عن تحديث أنظمة الأنفاق العسكرية القديمة.



وطبقا للتقرير الذي استند على صور الأقمار الصناعية، فإن بعض مداخل الأنفاق بجبال صعدة، واسعة بما يكفي لاستيعاب المركبات الثقيلة، فيما أظهر موقعان آخران قرب صعدة، خصائص تتفق مع بناء منشأة عسكرية تحت الأرض.


وذكر المعهد البريطاني، أن الحوثيين يعملون على بناء المنشآت الكبيرة على نحو يمكن رؤيته في صور الأقمار الصناعية، دون التمسك بالطريقة السرّية، التي تفضلها جماعات مثل "حماس" و"حزب الله".


شبكات حديثة ومعقدة

يؤكد المتحدث العسكري باسم القوات اليمنية المشتركة في الساحل الغربي، العقيد وضاح الدبيش، أن الحوثيين يعتمدون في تطوير تحصيناتهم الأرضية، على الخبرات الأجنبية المساندة لهم، والموجودة على الأراضي اليمنية.


وقال في حديث لـ"إرم نيوز"، "إن التقنيات والدعم الهندسي الذي يوفره خبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وخبراتهم الطويلة في تشييد المنشآت الأرضية واستخدامها، إلى جانب مساعدة بعض ضباط الجيش اليمني، مكّن الحوثيين من بناء "شبكات حديثة ومعقّدة من الأنفاق والملاجئ، لا سيما في جبال صعدة وعمران وحجة والحديدة والبيضاء، إضافة إلى صنعاء، وهو ما عزز من صمودهم طوال هذه الفترة".


وبيّن الدبيش، أنه بات لدى الحوثيين منشآت عسكرية سرية ومتكاملة تحت الأرض في بعض المناطق، يصل عمق بعضها إلى ما يفوق الـ30 مترا، مجهزة بكامل التجهيزات العسكرية والمدنية، ومزودة بمداخل ومخارج للطوارئ، وأنظمة تهوية.



وظائف عديدة

وأشار إلى أنواع مختلفة لهذه المنشآت من حيث الوظائف، منها ما هو مخصص كملاجئ لحماية القيادات، وأخرى تُستخدم كمستودعات لمكونات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وغيرها من الذخائر النوعية، وبعضها شُيد كمعامل تصنيع وتركيب قطع الأسلحة الاستراتيجية التي يتم تهريبها من إيران، فضلا عن غرف القيادة والسيطرة.


وفيما يتعلق بالتحصينات في محافظة الحديدة الساحلية، المشرفة على مياه البحر الأحمر، التي نشطت على مدى العام، من خلال الهجمات على السفن والعمليات الموجهة نحو إسرائيل، أوضح الدبيش أن الكثير من الأنفاق تمرّ أسفل منازل المواطنين، وترتبط بمراكز أرضية للقيادة والسيطرة، وصولا إلى منصات إطلاق الصواريخ المخفية والمموهة في كثير من المناطق، بينها مزارع السكان.


وتأتي محافظة صعدة وجبالها شديدة الوعورة، كأكثر المحافظات اليمنية احتضانا لتحصينات الحوثيين السرية، وقواعدهم العسكرية الرئيسة والفرعية، تتلوها العاصمة صنعاء بمنشآتها القديمة التي طُورت لاحقا، والمنتشرة في السلسلة الجبلية المحيطة بها، بما فيها مناطق "عطان" و"الحفا" و"نقم"، طبقًا لمنصة "ديفانس لاين"، المتخصصة بالشؤون العسكرية والأمنية اليمنية.


ونفذت الولايات المتحدة، في أكتوبر ونوفمبر الماضيين، هجومين نوعيين بواسطة قاذفات "الشبح" من طراز B-2 على منشآت تخزين الأسلحة المتطورة، في المناطق الجبلية بكل من صنعاء وعمران وصعدة.



ونقل موقع "يمن مونيتور" المحلي، عن مصادر عدة، أن هذه المنشآت تحاط بسرية بالغة حتى على المستوى الداخلي للميليشيا؛ إذ يعمل المجندون على شكل فرق لتعبيد الطرقات المؤدية إليها، تتولى كل فرقة جزءا معينا وتغادر، دون معرفة نقطة الوصول النهائية.


وتحدث زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، في خطاب قبل أسابيع، عن اهتمام إسرائيل ببناء وتشييد الملاجئ والغرف المحصنة لتأمين نفسها، وهي "في موقع الظالم المعتدي"، في إشارة منه إلى فارق الاهتمامات مع الأمة العربية.


انهيار متوقع

ويرى خبير الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الدكتور علي الذهب، أن هناك نوعين من التحصينات لدى الحوثيين، أحدهما دفاعي، تتخذ فيه القوات وضعا دفاعيا، والآخر وقائي، يحمي مراكز القيادة والسيطرة والوسائط العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي، وذلك بهدف الحفاظ على استدامة القوة.


وقال الذهب لـ"إرم نيوز" إن البنى الهندسية تحت الأرض، يكون دورها استراتيجيا إذا ما كان العنف المتبادل متكافئا في القوة والمواجهة، "بينما ما يحدث حاليا ليس شيئا من ذلك، والهجمات الإسرائيلية أو الأمريكية حتى الآن، لا تهدف إلى الإطاحة بالحوثيين وقدراتهم، وليس بإمكانها تحديد مصيرهم".




وبحسبه، فإن الحوثيين ما زالوا يديرون المواجهة بأسلوب العصابات، "رغم أن لديهم هياكل وبُنى تشير إلى دولة، لكن في واقع الحال عملياتهم تنطلق من تحت الأشجار".


وأضاف أن هذه التحصينات الطبيعية أو الصناعية، معرضة للانهيار كما هو الحال بالنسبة للحوثيين أنفسهم، لكن ذلك مرهون بمعركة حقيقية تتوافق فيها الأجندات الداخلية والخارجية المناوئة في القضاء على الميليشيا.


وأردف: "وهناك تجارب كثيرة مشابهة لذلك على مستوى اليمن وعلى مستوى الإقليم، انهارت فيها مثل هذه التحصينات وبقدرات عسكرية أكبر بكثير على مستوى الطائرات والصواريخ والأسلحة الكيميائية".


وتطرق إلى أن اشتعال الحرب على نطاق واسع ضد الحوثيين، سيضعضع جبهتهم الداخلية على مستويات عدة، وبالتالي ستخلو أنفاقهم من المقاتلين والقادة في ظل الضربات الجوية المتلاحقة والعمل الميداني المتصاعد.



وأشار إلى أن "ما يقارب ثلث العناصر المؤمنة بأفكار الميليشيا، التي يمكن لها أن تأخذ المعركة بطابع عقائدي، باتت منغمسة في مغريات السلطة، من جاه ومال وعقارات وغيرها من المصالح".