آخر تحديث :السبت - 04 يناير 2025 - 09:02 ص

كتابات


أزمة تقدير الكفاءات في واقعنا المعاصر

الأربعاء - 01 يناير 2025 - 02:03 م بتوقيت عدن

أزمة تقدير الكفاءات في واقعنا المعاصر

كتب عارف عادل ابو الخضر


أن تكون صاحب مبدأ وقيم، وتعمل بجد واجتهاد لتحقيق الأفضل، هو من أعظم المزايا التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان. لكن أن تجد نفسك وسط واقع يشجع الوهم، ويحتفي بالانتصارات الزائفة على حساب الحقيقة والعمل الجاد، فذلك أمر يعكس خللًا عميقًا في منظومة القيم.


في وقتنا الحالي، يبدو أن التفاني والإخلاص باتا سببًا للانتقاد بدلًا من التقدير. نرى المجتهدين يواجهون التوبيخ واللوم المتكرر، بل ويتعرضون أحيانًا للاعتداءات اللفظية والاتهامات الكتابية. في المقابل، نجد أولئك الذين يتقنون "فن العلاقات العامة" وتزييف الحقائق يتمتعون بالامتيازات، ويتصدرون المشهد كما لو أنهم رموز للنجاح والإبداع.


من المثير للدهشة أن ترى في نفس المبنى الذي تعمل فيه أشخاصًا لا يملكون أي إضافة حقيقية او شيء ملموس ، لكنهم بارعون في إلقاء التهم والسخرية من الآخرين. هؤلاء لا يملكون رصيدًا من الإنجازات الفعلية، ومع ذلك تجدهم يتمتعون بعلاقات وطيدة مع صناع القرار. تُعرض إنجازاتهم الوهمية في كل مكان، وتُقدم بطولاتهم الزائفة كما لو أنها حقيقة لا جدال فيها.


هذه الظاهرة ليست مجرد خلل إداري، بل هي انعكاس لثقافة مجتمعية تحتاج إلى إعادة النظر. عندما تُمنح الفرص بناءً على العلاقات الشخصية والمحسوبية بدلًا من الكفاءة والجدارة، فإن النتيجة تكون إحباط الكفاءات الحقيقية وهجرة العقول المبدعة.


متى يصحو المجتمع من سباته ويدرك أن بناء الأوطان لا يتم بالأوهام، بل بالعمل الصادق؟ متى نصل إلى مرحلة يُقدر فيها كل شخص وفقًا لما يقدمه، وليس بناءً على ولائه أو قرابته؟


إن النهضة الحقيقية لأي مجتمع تبدأ من احترام الكفاءات ووضع الأشخاص المناسبين في الأماكن التي يستحقونها. فلا مكان للمحاباة، ولا مجال للانتصارات الوهمية. إذا أردنا مستقبلًا أفضل، فعلينا أن نعيد الاعتبار للعمل الجاد والقيم الحقيقية، وأن نقف في وجه كل من يروج للأوهام على حساب الحقيقة.


رغم كل الإحباطات، لا يجب على أصحاب المبادئ أن يستسلموا. فالتاريخ يشهد أن العمل المخلص هو ما يبقى، وأن الوهم مهما طال أمده، سينكشف يومًا ما. فلنواصل السعي نحو التغيير، ولنكن صوتًا يدافع عن الحقيقة في زمن ضاعت فيه الموازين.