آخر تحديث :الثلاثاء - 07 يناير 2025 - 09:35 ص

كتابات


بعيدا عن السياسة .. دحباش وما أدراك!!

الأحد - 05 يناير 2025 - 05:16 م بتوقيت عدن

بعيدا عن السياسة .. دحباش وما أدراك!!
الممثل آدم سيف (دحباش)

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

كثيرون، وخصوصا الشباب المنتميين إلى جيل ما بعد العام ١٩٩٠م، لا يفقهون من أين أتت مفردة دحباش، وما انشق منها من تصريفات لغوية متعددة لأن أغلب هؤلاء التقطوها جاهزةً دون معرفة من أين أتت.

تعود لفظة (دحباش) إلى المسلسل الرمضاني الذي يحمل نفس الاسم، "دحباش" وهو اسم البطل الرئيسي للمسلسل الذي تصدر بطولته الفنان الملهم، آدم سيف أطال الله عمره، مع عدد من زملائه وزميلاته الممثلين مع العام ١٩٩٠، بعيد إعلان ٢٢ مايو ١٩٩٠م.

وآدم سيف كان فنانا موهوباً لا يشق له غبار، لكن هذا المسلسل يبدو لي كان سبباً في قتل هذه الموهبة الرائعة والاستثنائية.

المسلسل أذيع لمرتين (سنتين) عامي ١٩٩٠م و١٩٩١م ،وأوقف نهائياً وحُرِّم عرضه بعد حرب ١٩٩٤م.

ولأن السارق براسه قشاشة، كما يقول العامة، فقد اعتبر اساطين نظام صنعاء بأنهم المقصودون بالبطل "دحباش" حيث كان الرجل (بطل المسلسل) يحتال ويتبلطج، ويخادع، ويغش ويدوس على الانظمة وينصب على أقرب الناس إليه، بالمختصر قدم صورة مكثفة من صور الشر المعلن حينا والمتستر حينا آخر، حتى أصبح اسم "دحباش " يطلق على كل من يسلك هذا السلوك المقزز، ومنه اشتُقَّت عدة تصريفات، من الأفعال والاسماء والصفات،

يتدحبش، دحبشةً، دحباشي، دحابيش، دحابشة، متدحبش. . إلى آخره.

ومن المؤكد ان الفنان الكبير لم يكن يوجه عمله الفني الجميل لاستهداف طرف سياسي محدد او جهة جغرافية بعينها لكنه كان يقدم صورة من صور السلوك غير السوي، والممارسات الممقوتة التي يمكن ان يجدها المرء في أي مكان وزمان.

* * *

طرفة حصلت معي لخصت فيها رؤيتي حول مفهوم (الدحبشة).

كنت ذات يوم من أيام مطلع الألفية، مسافراً على حافلة الرويشان على خط (عدن -صنعاء)، وعندما وصلنا قريب الضالع سألتني امرأة مسنة كانت تقف في الكرسي الواقع ورائي مباشرة بلهجة عدنية واضحة:

يا بني! يا ابني! نحن ما زلنا ببلادنا والا قد وصلنا بلادهم؟

ابتسمت وقلت لها نحن في الضالع، وبعد قليل با ندخل قعطبة.

يبدو أنها فهمت قصدي وكفت عن السؤال،،

لكن الشاب الذي كان يقعد على الكرسي المقابل لي على اليمين، وهو شاب انيق ولابس فوطة عدنية وهندام نظيف ابتسم وقال بتساؤل موجهاً حديثه نحوي:

- يعني الآن انا الدحباشي الوحيد بينكم؟

قلت له:

- اسمع يا أخي!

الدحبشة ليست مفهوم جغرافي، بل مفهوم سلوكي، واخلاقي أكثر منها حتى سياسي.

ورحت أعدد له الكلام الذي تعرضت له في السطور السابقة، وماذا كان الفنان آدم سيف يريد أن يقوله من خلال مسلسله الخالد، وهو في كل الحلقات لم يتعرض لطرف أو موقف سياسي معين بل أراد أن ينتقد مواقفَ سلوكيةً وأخلاقية ممقوتة وممارسات يومية غير حميدة يقدم عليها الكثير من الناس، ولم يحدد بالضبط منطقة جغرافية أو تيار سياسي معين بنقده، لكن "السارق براسه قشاشة" كما أسلفت.

وفي حديثنا المتبادل قلت له:

- وتبعاً لذلك هناك دحباشي صنعاني وآخر عدني، وثالث حضرمي، ورابع تعزي.

وهناك دحباشي ريفي وآخر مدني، وثالث متعلم ورابع جاهل أو نصف متعلم.

وهكذا فلكل منطقة أو محافظة أو مهنة أو تخصص، دحباشه ودحابشته.

وتبعا لذلك كان رأيي وسيظل أن الدحبشة سلوك، وممارسات، وليست جغرافيا أو جهات أو منطقة بعينها.

* * *

ختاماً أدعو الفنان الكبير آدم سيف إلى العودة بموهبته البارعة إلى مهنته ومكانه الطبيعي، فقد أحبه الملايين من متابعي عمله الجميل، ولم يتضرر منه إلا من كان يرى نفسه في السلوك المبغوض الذي عبر عنه البطل (دحباش) في مسلسله الشهير.