آخر تحديث :الخميس - 09 يناير 2025 - 01:22 م

كتابات


الرحمة لروحك أيها المهيوب

الأربعاء - 08 يناير 2025 - 11:59 م بتوقيت عدن

الرحمة لروحك أيها المهيوب

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

هو العقيد (مستحق رتبة لواء) مهيوب محسن سعيد جبران بن الهزة المحرمي، اليهري.

من مواليد مطلع الخمسينات من القرن الماضي، نشأ في أجواء النزاعات القبلية وحروب الثأر في مناطق يافع وفي إطار كل مكتب وقبيلة وحتى في إطار الفخيذة الواحدة.

كان أبوه العم محسن سعيد جبران (الله يرحمه) متعلماً، بمعايير ذلك الزمن، حيث عاد من مهجره مبكراً، وكان صديقا لابن العم الشهيد ناصر عبد، عليهما رحمة الله وكان يأتي إلا. قريتنا حينما كنت ما أزال دون ين المدرسة.

فتح العم محسن سعيد (مدرسةً) خاصة به ربما لم يتجاوز عدد تلاميذها العشرات، لكن تلاميذه كانوا من المتميزين، وكان منهم الابن فقيدنا الكبير مهيوب وأخوه عبد المؤمن وآخرون .

فمهيوب وهو موضوع حديثنا أكمل المدرسة، بإتقان القراءة والكتابة والعمليات الحسابية وحفظ القرآن الكريم، ليلتحق بالعمل العسكري بعيد الاستقلال الوطني وإعلان دولة الجنوب (جمهورية اليمن الجنوبية، ثم الديمقراطية الشعبية) في ٣٠ نوفمبر من العام ١٩٦٧م.

خلال عمله في القوات المسلحة الجنوبية بقي في شعبة الاستخبارات العسكرية جندياً ثم صفَّ ضابط فضابطاً، وزامل جميع القادة الذين قادوا هذه الشعبة، وتمكن من طوير مهاراته العلمية والثقافية والتخصصية وواصل تحصيله الدراسي وحصل على الترقيات النظامية حسب التأهيل وزمن الخدمة كما كان سائدا في القوات المسلحة الجنوبية، وتنقل في عدة مراتب ومهمات قيادية عسكرية ليصبح رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية حتى العام ١٩٩٠م.

تميز فقيدنا مهيوب بالذكاء الملحوظ وبموسوعيته المعرفية فهو لا يجد كتاباً أو بحثاً أو روايةً أو قصةً إلا ويقرأ ويدوِّن تلخيصاته وملاحظاته عما تلقاه من هذا المصدر.

يمتلك الفقيد قدرة على التحليل السياسي والعسكري، وكنا كثيراً ما نتبادل الآراء والرسائل والتوقعات والتحليلات ونختلف أو نتفق في الاستخلاصات لكنه كان غالباً ما يصيب في استنتاجاته وتوقعاته.

بعد العام ١٩٩٠م انتقل إلى صنعاء وبقي في الاستخبارات العسكرية حتى جرى انتدابه في وقت لاحق، كملحقٍ عسكريٍ في السفارة اليمنية لدى سلطنة عمان.

لكن هذا لم يشفع له من أن ينال نصيبه من النتائج المأساوية لحرب العدوان على الجنوب في العام ١٩٩٤م، حيث تعرض مثله مثل مئات الآلاف من الجنوبيين، للاستبعاد والإقصاء والحرمان من جميع حقوقه المادية والمعنوية، كما تم الاستيلاء على منزله الذي ظل يدفع أقساط ثمنه لسنوات، دون أن يحصل على إي إنصاف أو تعويض، لا لذنبٍ اقترفه سوى أنه ينتمي إلى الوطن المهزوم، وكان لا بد من أن ينال عقابه من الطرف المنتصر الذي لم يكتفِ بالاستحواذ على السلطة والارض والثروة والموارد الجنوبية، بل راح أساطينه يستلذون بالتنكيل المادي والمعنوي، بكل من لم ينخرط في لعبتهم القذرة من الجنوبيين، وكان الفقيد مهيوب أحد هؤلاء.

في حرب ٢٠١٥م العدوانية على الجنوب، لعب الفقيد أدواراً بطولية ولو بعيداً عن الاضواء، وتمكن بفطنته ومهارته وإخلاصه أن يكون سبباً من الأسباب الرئيسية في صناعة انتصار يوليو ٢٠١٥م الذي تكلل بانسحاب الجماعات الحوثـ-عفاشية على أعقابها خاسئةً، تتجرع كؤوس المرارة والعار.

ليس المؤلم أن يمرض المرء ولا حتى أن يموت فكلنا عرضة لقضاء الله وقدره، لكن المؤلم أن يتساقط الشرفاء بصمت كما تتساقط أوراق الأشجار المثمرة في فصل الخريف، بينما لا يتنازل الطارئون ممن يتحكمون اليوم بمصير البلد واهلها حتى بالسؤال عمن عبَّد لهم الطريق للوصول إلى ما هم فيه من ترفٍ ومجدٍ زائفين.

ولا يفوتني هنا تسجيل آيات الثناء والعرفان للأخ اللواء أحمد

محسن سالم (الدولة) الرئيس الحالي لدائرة الاستخبارات العسكرية، لما سجله من مواقفَ أصيلة تجاه الفقيد من خلال متابعة حالته وتقديم المساعدة والرعاية بصورةٍ شخصية وكذا بعض رفاق الفقيد وزملائه ممن ساهموا بالسؤال أو التواصل أو مد يد العون لفقيدنا أثناء فترة مرضه التي تطاولت لسنوات، أسأل الله أن يجزيهم خيراً وأن يجعل ما قدموه من كلمةٍ أو فعلٍ أو دعمٍ عينيٍ أو معنويٍ في ميزان حسناتهم.

إنني بهذا المصاب الجلل أعزي نفسي، وأعزي أولاده فواز وفهيم ووالدتهم الكريمة وأخواتهم، وأخوانه عبد المؤمن وسليم وعدنان وكل أهله وذويه وجميع أهل الهزة وآل محرَّم. ، وجميع رفاقه وزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه ومحبيه.

وأدعو الله أن يتقبله تقبل الأتقياء المؤمنين والأولياء الصالحين ويغفر له ويتوب عليه ويسكنه فسيح جناته.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.