للمرة الأولى منذ 470 يوماً، ينام خالد الناجي وعائلته دون هدير الطائرات وأصوات المدافع التي كانت تملأ ليل غزة صخباً وضجيجاً، وبعد أن كانت عائلته تحسب ألف حساب لقدوم الليل، إذ كانت الطائرات الزنانة والمسيّرات ذات الضجيج العالي، تربك منامهم، وتحرمهم الراحة.
يقول الناجي: «كان ليلنا بلا نوم، فمن مغيب الشمس حتى صباح اليوم التالي، كانت تبدأ المعاناة مع الطائرات الحربية التي لم تكن تغادر سماء غزة، وكانت تصدر أصواتاً صاخبة ومزعجة، لدرجة تجعل أطفالنا فزعين طوال الليل، ومتحفزين لغارات قريبة قد تستهدفهم بأي لحظة».
وأضاف لـ«البيان»: «اليوم لا وميض أحمر في السماء، ولا صواريخ تهبط علينا، ولا ضجيج. كنا نسرق بضع دقائق من النوم والراحة، وأحياناً نستبدل الليل بالنهار كي نرتاح قليلاً».
وتابع وابتسامة واضحة تعلو وجهه: «اليوم سننام ليلنا الطويل، ونستعد لليل هادئ لا تعكر صفوه أصوات الطائرات والمدافع، وحتى الأطفال بدأوا يستعيدون الطمأنينة، والاستمتاع بأوقاتهم بشكل أفضل».
وأشار إلى أن أسوأ ما عايشه خلال فترة الحرب التي امتدت لـ15 شهراً، حدوث الغارات الليلية على قطاع غزة، وصعوبة تدارك الموقف مع الأهل والجيران في ظل انقطاع التيار الكهربائي والعتمة التي كانت تلف القطاع، مضيفاً: «الشعور بالقلق من الغارات أثناء الليل كانت كابوساً مرعباً بحد ذاته».
وبين أنقاض منزله الذي دمرت القذائف الإسرائيلية أجزاء كبيرة منه خلال الحرب، يعاود الناجي وعائلته الحياة، ما استطاعوا إليها سبيلاً، منوهاً إلى السكن في «نصف منزل» أهون من حياة الخيام وبردها ومعاناتها، وانتهاك خصوصية العائلة فيها.
وبيّن الناجي أنه لحسن حظه، لم ينهر بيته بالكامل وإن أصابته أضرار جسيمة، لكن بعض الغرف والمرافق، ظلت صالحة بعض الشيء، فاختار وعائلته العودة للسكن فيها، حتى يتم ترميمها وإصلاح المنزل، ويواصل: «الحمد لله أن بقي لنا نصف منزل، وحالنا أفضل من غيرنا، هناك آلاف العائلات فقدت منازلها بالكامل، وبعضها مسحت آثارها».
ويستذكر لحظات قصف المنزل، في الشهر الثاني للحرب، عندما نزح مع عائلته إلى أحد مراكز الإيواء، استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، ليتم قصف المنزل بعد خروجهم بدقائق، مبيناً أن عائلته نجت من القصف بأعجوبة.
ولم ينفِ الناجي خوفه من أن تتهاوى بعض جدران المنزل المتصدعة، وأن تكون عائلته ضحية لهذا الوضع الكارثي، لكن في ظل انعدام البدائل فالبيت المتهالك أفضل من أن نظل بلا مأوى، وفق تعبيره.
وتمضي عائلة الناجي ساعات طويلة في البحث عن الألواح الخشبية وقطع القماش والنايلون لإغلاق الفتحات الواسعة التي أحدثها القصف في المنزل، خصوصاً في ظل برودة الطقس غير المسبوقة في قطاع غزة، وتعاني العائلة نقصاً حاداً في الملابس الشتوية والأغطية، لكن فرحتها بالعودة إلى منزلها، لا تضاهيها فرحة، وعن ذلك تقول زوجته: «نصف منزل، يعني نصف حياة، لكن يبقى أفضل من النزوح وحياة الخيام».
وليست عائلة الناجي وحدها التي عادت لتسكن في منزل مدمر، فأشباه المنازل التي ظلت صامدة ولم تنهر بفعل القصف على امتداد قطاع غزة، عادت إليها الحياة، ووسط الأروقة المدمرة، ومن بين أكوام الركام، ثمة حياة أخذت تنهض من جديد