آخر تحديث :الجمعة - 03 يناير 2025 - 11:38 م

كتابات واقلام


نهاية عام .. ومازالت المعايير مختلة

الثلاثاء - 31 ديسمبر 2024 - الساعة 02:35 م

حكيم الشبحي
بقلم: حكيم الشبحي - ارشيف الكاتب


في عصرنا الحديث حيث تتشابك وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في كل تفاصيل حياتنا باتت قدرة الفرد على جذب الانتباه معيارا متزايد الأهمية في تقييم مكانته الاجتماعية.

من الطبيعي أن يكون الظهور جاذبا للانتباه فهو يمثل السطح اللامع الذي يبهر العيون ويخطف الأنظار لكن هل يكفي هذا السطح ليعكس العمق؟ أم أن وراء تلك البريق مظاهر خاوية لا ترتكز على أساس من الجهد الحقيقي أو الإنجاز الملموس؟

إن العمل بما يحمله من قيم الابداع والإتقان والجهد هو الأساس الذي تبنى عليه الحضارات وتتقدم به الأمم . الأشخاص الذين ينشغلون بالعمل الحقيقي غالبا ما يفضلون الإنجاز في صمت فهم يدركون أن القيمة الحقيقية تكمن في النتائج وليس في الكلمات أو العروض الزائفة.

لكننا في عصر أصبحت فيه الصورة هي اللغة الأكثر تأثيرا والمظاهر هي المعيار الأسرع للحكم على الآخرين. لذلك يصبح من السهل تهميش الجهود الصادقة التي لا تتزين بوهج الظهور.

ومع ذلك يثير هذا التوجه تساؤلات كثيرة حول القيم التي تحكم اختياراتنا ومعاييرنا المجتمعية.
هل يمكن حقا أن نبني مجتمع متماسك ومزدهر إذا كانت الأضواء تسلط على من يتقن فن التسويق الذاتي أكثر من أولئك الذين يساهمون بشكل فعال في تحسين حياتنا اليومية؟

المجتمعات التي تقدر الأفعال أكثر من الأقوال تسير بخطى ثابتة نحو التقدم فالعمل والإسهام الحقيقي مهما كان حجمهما يشكلان العمود الفقري لأي مجتمع ناجح.
من المعلمين الذين يشكلون العقول إلى الأطباء الذين ينقذون الأرواح والعلماء الذين يضيفون إلى رصيد المعرفة البشرية .
هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين ينبغي أن يحتفى بهم.

لكن الواقع اليوم في مجتمعنا مختلف تماما نجد أحيانا أن التقدير يمنح لمن ينجح في إثارة الجدل أو خلق محتوى فارغ يستهلك الوقت دون أن يضيف قيمة حقيقية.
وصار الكثير في شبكات التواصل يبحث عن تلميع نفسه أو تلميع شخص آخر لغرض اكتساب زيادة المتابعين وإظهار الشهره و التباهي بكمية المتابعين .لم يكن الهدف بناء المجتمع السليم والقيم الحقيقية بل صارت هذه المعاني بعيده عن أهداف الكثيرين من مايسموهم مشاهير الفيس او التك توك وغيرها .
وهذا ليس انتقادا للفن أو الترفيه أو حسدا لهؤلاء ولكنه دعوة الى توازن يضمن احترام من يقدم إضافة ملموسة تخدم المجتمع وتنميه.

حقيقتا تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسي في صياغة معايير المجتمع عندما تسلط الضوء على أصحاب الإنجازات الحقيقية فإنها تسهم في ترسيخ قيم العمل الجاد والإبداع.
لكن إذا ركزت فقط على الأفراد القادرين على خلق ضجة إعلامية فإنها تدفع بالمجتمع نحو تقدير السطحية على حساب الجوهر.

إن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الإعلام بل على الأفراد أيضا يجب علينا أن نعيد النظر في ما نستهلكه من محتوى وأن نسائل أنفسنا هل هذا الشخص أو هذا المحتوى يستحق فعلا وقتنا وتقديرنا واهتمامنا؟

فلكي نعيد التوازن لمعايير التقدير في المجتمع علينا أن نضع أولويات جديدة مثل تشجيع التعلم والإبداع و توفير الدعم والتقدير للأشخاص الذين يضيفون إلى مجالات المعرفة والفن والعمل.

يتوجب تكريم أصحاب الأدوار التي غالبا ما تهمش، مثل المزارعين والعاملين في النظافة والموظفين الملتزمين في القطاعات المختلفة في البلاد.

علينا جميعا نشر الوعي بأهمية دعم القيم الحقيقية بدلا من الانبهار بالمظاهر والانصياع لتوجهاتها السطحية .

إن المجتمعات التي تبنى على القيم السطحية تواجه خطر الانهيار الأخلاقي والثقافي كما هو حاصل اليوم في مجتمعنا.
أما المجتمعات التي تقدر الجهد والإسهام الحقيقي فهي التي تمتلك القوة لتجاوز التحديات وبناء مستقبل أكثر إشراقا.

لنبدأ من أنفسنا ولنعد النظر في معاييرنا فنقدر الأشخاص ليس بما يظهرونه بل بما يقدمونه من عمل ينهض بالمجتمع.