آخر تحديث :الجمعة - 03 يناير 2025 - 11:38 م

كتابات واقلام


كيف تنظر الفلسفة البراجماتية الأنجلوسكسونية إلى النفاق؟

الثلاثاء - 31 ديسمبر 2024 - الساعة 03:25 م

د.عارف الكلدي
بقلم: د.عارف الكلدي - ارشيف الكاتب


النفاق هو اسم لمجموعة أخلاق تعني الكذب والغش واللف والدوران وخيانة الأمانة وإخلاف المواعيد، ومجموعة أخلاق أخرى مشابهة يجمعها وصف إظهار الإنسان خلاف ما يبطن.

الفلسفة البراجماتية الأنجلوسكسونية تنظر إلى النفاق من ثلاثة مستويات:
مستوى الفرد.
ومستوى المجتمع الأنجلوسكسوني.
ومستوى علاقة هذه الأمة مع بقية الأمم.

على المستويين الأوليين يحاربون النفاق محاربة شديدة، ويرون أنه أبرز سبب لخراب الأمة الأنجلوسكسونية، ولهذا فهم يحرصون أشد الحرص على تنشئه أبنائهم على الابتعاد عن مجموعة أخلاق النفاق.

قرأت ذات مرة قصة رواها شاب عربي كان ضمن منهجه لتعلُّم الإنجليزية أن يعيش مع أسرة في بريطانيا حتى يكتسب اللغة اكتسابا تداوليا، فحصل ذات يوم أن الطفل كسر كأسا من كؤوس المطبخ، فأصاب هذا الطفل نوع من الانزعاج لتقصيره في الحفاظ على الكأس، وذكر أيضا أن والديه سيوبخانه على هذا التقصير، فقال له الشاب العربي: لا تخبرهما ولا تقلق من توبيخهما، سأشتري طقم كؤوس بدلا منه، فإذا سألا عن الكأس فقل لهما لقد كسره فلان (يريد العربي نفسه) واشترى بدلا منه هذه الكؤوس.

استغرب الطفل استغرابا شديدا من هذا الأمر وقال: لا. هذا كذب لا يجوز.. ثم لما جاء والداه أخبرهم بالقصة وعما جرى من حوار بينه وبين فلان (الشاب العربي) فغضب الوالدان، ثم طردا هذا الشاب لأنهما رأيا أنه سيُدخل النفاق في نفس الطفل.

كذلكم في إدارتهم للدولة والشركات والمنتجات، يحرصون على الصدق والأمانة والجودة والإخلاص والجد في العمل والالتزام بالمواعيد، ويحاربون بشدة الذي يمارس النفاق والكذب والغش والتلاعب والفساد الإداري والمالي؛ لأنهم يرون أن سعادة الفرد متعلقة بسعادة المجموع، وأنهم إذا خربت امتهم فإن خرابها سيصيب الجميع بالفقر والمرض والجوع والتخلف الحضاري بشكل عام.

لكن على المستوى الثالث -وللأسف الشديد- فهم يمارسون النفاق بأبشع صوره الإمبريالية، فإنهم يعاملون الأمم الأخرى بهذا النفاق وعلى مستوى مريع.

إن الإسلام أو (البراجماتية الإسلامية إن صح التعبير) متفوقة على البراجماتية الأنجلوسكسونية؛ لأنها لا تنظر إلا إلى المصلحة الإنسانية بشكل عام، بغض النظر عن أن يكون الإنسان عربيا أو عجميا أو أحمر أو أبيض أو أسود.

من القصص العجيبة أن أحد علمائهم وحكمائهم بداية القرن العشرين قرأ الإسلام من مصدره الأصلي، فرأى بخياله الواسع ورؤيته الثاقبة أن تعاليم الإسلام أصلح للإنسانية من الفلسفة الغربية، ثم جاء إلى جزيرة العرب لأداء فريضة الحج، فانصدم من مجموعة أخلاق النفاق والتخلف الحضاري عند العرب، فقال كلمة خالدة: (الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين).