في خضم موجة التوترات الإقليمية والدولية التي أحدثوها، تكثّف ميليشيا الحوثي هجماتها العسكرية الداخلية ضد قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، في محاولة لإحراز اختراق يحقق أهدافها.
وتمكنت قوات الجيش اليمني، أمس السبت، من إحباط بضع هجمات متناسقة شنَّتها ميليشيا الحوثي على مواقع القوات الحكومية في عدد من جبهات محافظة مأرب ، في تصعيد داخلي جديد، يأتي بعد هجمات أخرى للحوثيين في مناطق التماس مع القوات المناوئة في كلٍّ مِن تعز ولحج والضالع وشبوة.
ويتزامن تصعيد الحوثيين في الداخل اليمني مع تعاظم الضغوط الدولية المرتبطة بتهديداتهم لأمن الملاحة البحرية، والوعيد الإسرائيلي بشنّ عمليات عسكرية واسعة ضد مناطق الميليشيا في اليمن، ردًّا على هجماتهم المتزايدة التي تستهدف تل أبيب.
ويقول المتحدث العسكري باسم القوات اليمنية المشتركة في الساحل الغربي، العقيد وضاح الدبيش، إن ما يقوم به الحوثيون على الصعيد الميداني من هجمات وتحشيد واستعدادات، يأتي في سياق إظهار تماسكهم الداخلي واستمرار قوتهم وقدرتهم على خوض أي مواجهة عسكرية محتملة، في ظل إدراكهم للمتغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، والضربات الموجعة التي طالت الأذرع الإيرانية.
وتطرق الدبيش، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى الرسائل التي يبعثها الحوثيون للإقليم والعالم من خلال عملياتهم المحلية، والتي تشير إلى استعدادهم لمواجهة أي عملية عسكرية واسعة قد يقدم عليها المجتمع الدولي ضدهم، بما في ذلك قدرتهم على استهداف الدول المجاورة والمصالح الاقتصادية العالمية.
وبحسبه، فإن ما يصبو إليه الحوثيون من تصعيدهم الداخلي يرمي كذلك إلى تعزيز موقفهم التفاوضي وتحسين شروطهم عند استئناف العملية السياسية في البلاد.
وأشار إلى أن الحوثيين يرون في ذلك إرباكًا للقوات الحكومية والموالية لها؛ ما يمنعها من اغتنام فرصة ترهّل إيران وسقوط أدواتها في المنطقة، ويحول دون الاستفادة من أي دعم خارجي استعدادًا لتحرير المناطق الواقعة تحت قبضة الميليشيا.
وبدوره، يعتقد الباحث في الشؤون العسكرية اليمنية، عدنان الجبرني، أن الحوثيين، على الصعيد العسكري، وصلوا إلى حالة إرهاق وإجهاد غير مسبوق، بعد عام كامل من شدّ العصب والتوجس ورفع الجاهزية بشكل متكرر، إضافة إلى الخطاب المشحون وتغيير الانتشار.
وأضاف أن زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بات الآن "يخشى إعادة القوات ولو لاسترخاء جزئي ومؤقت؛ لأن أي استراحة دون معركة بعد كل هذا الإجهاد يعني تفتت القوة وتشرذمها وظهور دمامل وتقرحات داخلية مسكوت عنها بسبب الشدّ إلى الأمام".
وقال الجبرني، في تدوينة على منصة "إكس"، إن هذا المستوى المتصاعد من التوتر على مدى نحو عام "لا بد أن يجد طريقه إلى معركة ما، وإلا فسترتد الجاهزية على جسد الجماعة، والحوثي يدرك ذلك".
وأردف: "بالتالي، فإن على كل القوى الوطنية الشرعية أن تأخذ الأمر على محمل الجدّ، وأن تفرّق بين قلق الحوثي وضعفه، الحوثي قلق نعم، متوتر نعم، لكنه ليس ضعيفًا، وهذا أمر يجب استيعابه جيدًا".
مشيرًا إلى أن مبالغة الحوثيين في الإعداد والتوتر والإرباك "ربما تكون سببًا في هزيمتهم، لأن كل ما يقومون به قد لا يجدون وقتًا ولا ساحة لاستخدامه، إذا تمّت دراسة وضعهم بشكل ذكي وتحديد الثغرة والمفصل والتوقيت المناسب".
صدمة سوريا
وفي المقابل، يرى الباحث السياسي خالد بقلان، أن الهجمات الحوثية المتزايدة محليًّا تتسق مع تصريحات مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، "الذي ظهر على نحو متكرر، محاولًا إعادة بثّ الروح المعنوية في أذرعه المتهاوية تباعًا".
وذكر بقلان، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن التطورات في سوريا شكّلت صدمة لإيران ومحورها، وبالتحديد للحوثيين، "خاصة بعد أن عملت حماس على هندسة اتفاق سري بينهم (أي الحوثيين) وبين قيادات من إخوان اليمن في تركيا، يتضمن تأكيد موقف الطرفين المشترك من تطورات الـ7 من أكتوبر، وعلى مقاومة أي تصعيد داخلي ضد الحوثيين تقوم به القوات غير المحسوبة على إخوان اليمن"، حدّ قوله.
وقال إن "عقد الشراكة بين تنظيم الإخوان المسلمين الموالي للنظام التركي، وبين الأذرع الموالية لإيران، انفرط منذ انخراط حزب الله في الاتفاق مع إسرائيل، متخليًا عن شعار وحدة الساحات، وهو ما دفع الإخوان للتحرك في سوريا بإشراف تركي، لإسقاط نظام بشار الأسد الموالي لطهران".
مضيفًا أن ذلك انعكس على اليمن، "ولذلك نجد أن الحوثيين بدؤوا التصعيد نحو تعز، لأن السلطة الحاكمة فيها والجيش مواليان للإخوان، وهو ما تكرر كذلك مؤخرًا عبر الهجمات الحوثية على مأرب، التي تعدّ سلطتها الحاكمة تابعة للإخوان؛ ما يجسد هذا الخلاف".
وتوقع بقلان أن تشهد الجبهة الداخلية في اليمن تصعيدًا شاملًا "قد يحقق الحوثيون من خلاله اختراقًا في مأرب وتعز، ولكنهم في المقابل سيخسرون الحديدة والساحل التهامي والبيضاء وإب والجوف بشكل مفاجئ، وهو ما قد يؤدي إلى تكرار السيناريو السوري في الانهيار".