تعيش مناطق الجنوب وضعًا معقدًا في ظل أزمات اقتصادية خانقة وأوضاع سياسية متشابكة. انعكست هذه الأزمات على حياة المواطنين بشكل مباشر، حيث ارتفعت أسعار المشتقات النفطية وتدهورت قيمة العملة المحلية، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات الغاضبة في مدينة عدن ومدن أخرى.
غضب الشارع الجنوبي: صرخة الشعب
شهدت مدن الجنوب ، وعلى رأسها عدن، موجة من الاحتجاجات الغاضبة تنديدًا بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة. احتشد المواطنون في الشوارع، رافعين شعارات تطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب وتخفيف معاناتهم.
شاب جامعي عاطل عن العمل عبّر عن إحباطه بقوله:
"لا نستطيع شراء الوقود للتنقل، ولا حتى شراء الطعام. إلى متى هذا الوضع؟"
كلماته تختصر حالة الغليان الشعبي التي تتصاعد يومًا بعد يوم، حيث يواجه المواطنون تحديات معيشية خانقة، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات.
هذه الاحتجاجات، التي تعكس صوت الشارع الجنوبي، باتت مؤشرًا واضحًا على مدى الاستياء الشعبي من الأداء الحكومي، مع دعوات متزايدة للإصلاح وإنهاء الفساد وتقديم حلول جذرية للأزمات الاقتصادية.
المرأة الجنوبية: بين المعاناة والصمود
في ظل هذه الظروف القاسية، تتجلى قوة المرأة الجنوبية بشكل استثنائي، حيث تحملت العبء الأكبر من الأزمات. بعض النساء تمكنّ من تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية بإنشاء مشاريع صغيرة لدعم أسرهن وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود. على الرغم من الظروف الصعبة، أثبتت المرأة الجنوبية أنها رمزًا للإصرار والقدرة على التكيف، حيث نجحت العديد منهن في التغلب على المصاعب لبناء حياة أفضل لأسرهن.
ولكن في الجانب الآخر، تعاني العديد من النساء في الجنوب من غياب الحقوق الأساسية وندرة الفرص الاقتصادية. فالكثير منهن يواجهن صعوبة في توفير احتياجات أبنائهن الأساسية، ومنها التعليم والصحة، مما يعكس حجم المعاناة المستمرة في حياتهن اليومية.
زيارة الزُبيدي لدافوس: خطوة سياسية هامة
في سياق المساعي السياسية، جاءت زيارة عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس كخطوة إيجابية للفت أنظار العالم إلى قضية جنوب اليمن. الزُبيدي ناقش مع مسؤولين دوليين وسفراء أهمية دعم الاستقرار في المناطق الجنوبية وحق تقرير المصير لشعب الجنوب.
هذه المشاركة لم تكن فقط فرصة لتعزيز المطالب السياسية، بل أيضًا لفتح قنوات جديدة لجلب الدعم الاقتصادي والاستثماري إلى المناطق المحررة، وهو ما يراه البعض تحركًا دبلوماسيًا ذكيًا وسط التحديات القائمة.
التحديات الاقتصادية والإنسانية
الأزمة الاقتصادية في جنوب اليمن لم تتوقف عند ارتفاع أسعار الوقود، بل طالت كافة قطاعات الحياة، بما في ذلك التعليم والصحة. آلاف الأسر باتت عاجزة عن إرسال أطفالها إلى المدارس، مما يهدد مستقبل الجيل القادم. إلى جانب ذلك، تفتقر المستشفيات والمرافق الصحية للإمدادات الأساسية، مما يضاعف معاناة المواطنين.
دور السعودية والإمارات في مبادرات السلام:
لا يمكن النظر إلى الوضع في جنوب اليمن دون الأخذ في الاعتبار الدور البارز لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. قدّم البلدان دعمًا كبيرًا في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والاقتصادية، بالإضافة إلى المبادرات السياسية والضغط على الأطراف المختلفة لإيجاد حلول للأزمة اليمنية.
ومع ذلك، يراه المحللون السياسيون أن هذه الجهود لم تحقق نتائج حاسمة، بل واجهت العديد من الانتقادات بسبب التباين في مصالح الدولتين وتوجهاتهما المختلفة حيال الملف الجنوبي. ففي الوقت الذي تسعى فيه الإمارات لدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، تتمسك السعودية بدعم الحكومة الشرعية التي ترى في تمثيلها الوحدوي الحل الأمثل.
تداعيات تنصيب الرئيس الأمريكي ترامب:
على الصعيد الدولي، يشير محللون إلى أن تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب سيغير بعض المعادلات في المنطقة. على الرغم من أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط قد لا تشهد تغييرًا جذريًا، فإن تطورات جديدة قد تحدث في شكل التوجهات الأمنية والاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالتحالفات الدولية لمواجهة تهديدات مثل الحوثيين.
أما بالنسبة للأمن الإقليمي، خاصة في البحر الأحمر، فإن الوضع يتطلب مزيدًا من الانتباه، حيث يشكل هذا الممر المائي أهمية استراتيجية كبرى. التوترات السياسية في جنوب اليمن، والحضور الإيراني في البحر الأحمر، قد تزيد من تعقيد الوضع الأمني، ما يجعل من الضروري وجود استراتيجيات جديدة لضمان حرية الملاحة وحماية المياه الإقليمية.
الحوثيون والولايات المتحدة:
فيما يتعلق بالحوثيين، يُتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ضغطها على الجماعة المدعومة من إيران، في إطار سياستها لمكافحة الإرهاب والحد من نفوذ طهران في المنطقة. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه الضغوط ستؤدي إلى تحولات جوهرية في موقف الحوثيين، الذين يصرون على تمسكهم بمطالبهم في السلطة والتوسع الإقليمي.
آفاق السلام: تطلعات الأمم المتحدة والجهود الأممية:
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الأمم المتحدة لتحقيق السلام، إلا أن التوصل إلى حل شامل للقضية الجنوبية لا يزال بعيدًا. يواجه المبعوث الأممي صعوبة بالغة في إقناع الأطراف الرئيسية، حيث يعترض الحوثيون على أي تسوية تضعف من موقفهم، في حين يواجه المجتمع الدولي صعوبة في التعامل مع الحكومة اليمنية التي تظل منقسمة حول الحلول المطروحة.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد أبدى مرونة في تعاطيه مع جهود السلام، مع تأكيده على ضرورة أخذ تطلعات شعب الجنوب في الاعتبار. لكن تبقى الإشكالية في تعقيد الوضع السياسي المحلي والإقليمي، فالجميع يتفق على الحاجة إلى حلول سياسية سلمية، لكن الطريق إليها لا يزال محفوفًا بالتحديات.
الجنوب بين الحاضر والمستقبل
جنوب اليمن يقف اليوم على مفترق طرق؛ فإما أن تتحقق الحلول الجذرية التي تضمن حياة كريمة لمواطنيه، أو أن تستمر الأزمات في تعقيد الوضع. لتحقيق ذلك، لابد من دعم إقليمي ودولي يركز على تنمية الجنوب واستقراره، وليس فقط على تحقيق مكاسب سياسية.
يظل الأمل في إرادة الشعب اليمني وتكاتفه، فالجنوب قادر على النهوض مجددًا إذا ما تضافرت الجهود لتجاوز العقبات وتحقيق السلام الشامل.