آخر تحديث :الإثنين - 13 يناير 2025 - 02:13 ص

كتابات واقلام


هوامش على هامش الأزمة اليمنية (2)

الأحد - 12 يناير 2025 - الساعة 07:30 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


(2)
سؤال الفساد . .
من سيحاسب من؟
فضائح الفساد التي تتداولها المنابر والمواقع الإعلامية والصحفية المقروءَة والمرئية هذه الأيام تحولت إلى مادة إعلامية دسمة للاستعراض والتباهي وطبعاً للتندر وأحياناً للدعوات الجادة والمخلصة لمحاربة حقيقية وفعالة للفساد ومحاسبة المفسدين.
وبعيداً عن التحليل والتفكيك والتركيب أودُّ أن أذكِّرَ بما كنت قد قلته مراراً، وهو أن الفساد في اليمن ليس قضية أخلاقية، تتصل بسوء تربية بعض الموظفين أو بغريزة الطمع والأنانية لدى بعض الناس، ولا هي قضية دينية تتصل بضعف الإيمان وعدم الخوف من عقاب رب العالمين، لا بل أنها ظاهرة سياسية تعتبر جزءاً من النهج السياسي في الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) وبعد العام 1990م انتقل بالعدوى إلى محافظات الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة)، وربما شغل مساحةً أوسع وجماعات اجتماعية أعرض وأشمل، ذلك إن المرض المعدي، يكون أشد وطأةً عند المنقول إليه مما هو عند المنقول منه.
لا يمكن التقليل من الحقائق والأرقام التي تضمنتها التقارير الأخيرة للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن عمليات فساد يشيب لها الأجِنَّة قبل الراشدين، لكن الواضح في الأمر أن كل ما جرى الكشف عنه ليس سوى "أُذُن الجمل" أما باقي جسد الجمل العملاق فهو ما يزال مغطىً ومسكوتٌ عنه إلى أجلٍ غير مسمَّى.
لا شك أن أية إجراءات ستُتَّخَذ بهدف مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين مهما كانت مواقعهم أو مكاناتهم أو انتماءاتهم السياسية ستكون محلَّ ترحيب مختلف قطاعات الشعب في الشمال والجنوب على السواء (باستثناء المتورطين في الفساد أو المتعاطفين معهم، وهؤلاء يمكن اعتبارهم حالات عرضية ثابلة للاستثناء من الاعتبار)، لكن السؤال الذي يظل قائماً هو:
من سيحاسب من؟
وهل سيمتد الحساب ليصل إلى جميع المتورطين (المعلنين والخفيين) أم أن العملية ستنحصر على كباش الفداء، الذين يستحقون الحساب طبعاً، لكنهم لم يكونوا سوى منفذين لشبكةٍ هي أوسع منهم وأكبر نفوذاً من نفوذهم وأكثر قدرةً على التخفي والتلون بلون المكان والزمان كما تفعل الحرباوات؟
ثم ماذا لو كان المُتَوَرِّطون في الفساد من موظفي الدرجات العليا، بمعنى أن يكون الفاسدُ قيادياًَ أو عضواً برلمانياً أو وزيراً أو رئيس وزراءٍ أو عضواً أو رئيساً في مجلس القيادة الرئاسي ؟؟
هل سيخضع هؤلاء لنفس المعايير التي يسيخضع متوسطو وصغار الموظفين المطلوب محاسبتهم واستعادة ما عبثوا به من أموال الشعب والوطن ومعاقبتهم بما يقتضيه القانون، أم سيكون لهؤلاء من المعايير ما يحميهم مما يفرضه القانون من عقوباتٍ وإجراءاتٍ صارمة لا تقبل اللَبس والتشكيك؟
إنني أتحدث عن المحاسبة وكأنها على الأبواب، رغم أنني أعلمُ علم اليقين أن السلطات اليمنية طوال تاريخ حديثها عن الفساد، لم تكن قطَّ جادةً فيما تقوله، إلا من باب إلهاء الناس ومحاولة التغطية على ما يفعله أساطينها وصانعو سياساتها، وقد علمتنا التجربة الإنسانية على مدى الأزمنة أن عديمي الضمير هم أكثر الناس حديثاً عن الضمير، وأن قليلي الشرف هم أكثر من يتغنى بالشرف وأن اللصوص هم أكثر من يتحدث عن النزاهة والأمانة.
ولو قال أحدٌ أن قادة اليوم غير قادة الأمس، فهو يغالط نفسَهُ ويغالطنا جميعاً، لأن قادة اليوم ليسوا سوى تلاميذَ أوفياء لنفس المدرسة ذات الأربعة عقود من الهيمنة والنفوذ والفساد والإجرام، ولو قال آخرُ إن هناك بعض القادة الجدد ليسوا من نفس المدرسة، فإننا نوجه لهؤلاء القادة الدعوة الجادة والصادقة إلى ارتداء ملابسَ واقيةٍ من عدوى فايروس الفساد، فهذا الفيروس أسهل وأسرع انتشاراً من جميع أنواع البكتيريا والفيروسات والمايكروبات، ولا يحس بآلامه ووجعه إلا أصحاب الضمائر الحية وهم قليلون في هذا الزمن الأغبر.