المناضل عوض عمر باعساس واحد من أهم الثوار الأوائل في حضرموت الذين كان لهم دور نضالي بارز منذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة الجنوب السلمية، أو ما عرف بالحراك الجنوبي، التي انطلقت في 7/7/2007 من أجل استعادة الدولة من أنياب الاحتلال اليمني. من منا لا يعرف هذا المناضل المقدام الذي كان شوكة حادة في وجه نظام صنعاء وله بصمات واضحة أثناء الثورة الجنوبية السلمية لا ينكرها إلا جاحد؟ حتى المرض الذي كان يعاني منه لم يمنعه من مقارعة قوات الاحتلال في شوارع وأزقة مدينة المكلا وقيادته للشباب الثائر.
أول مرة التقيت بالمناضل عوض باعساس كانت في ساحة الحرية بالمكلا في 2009، أثناء مشاركتنا في إحدى الفعاليات الكبرى التي دعت لها المكونات الجنوبية. كانت فعالية كبيرة أزعجت نظام صنعاء المحتل لأرضنا، وواجهها باستخدام مختلف أنواع الأسلحة لكسر إرادة شعب الجنوب، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً أمام صمود الشعب الجنوبي الأبي. لقد كان صاحب إرادة قوية، محباً لوطنه الجنوب، وشارك في أغلب المظاهرات والمليونيات التي شهدتها المكلا وعدن وسيئون. كان من القيادات الميدانية ذات الحضور القوي في قيادة العمل الثوري الميداني، ورغم القوة المفرطة التي استخدمها المحتل اليمني والملاحقات التي طالت الثوار والمناضلين المؤمنين باستعادة الدولة، ظل صامداً على مبدئه في مواجهة الاحتلال.
مع اشتداد وتيرة ثورة الجنوب، التي انتشرت في كل مكان ووصلت إلى القرى والأرياف والمناطق النائية، أصيب المحتل اليمني بالهستيريا، وبدأ بشن حملة اعتقالات واسعة للقيادات الميدانية والمناضلين في عموم مديريات حضرموت والجنوب، واقتادهم إلى الزنازين الموحشة. كان المناضل عوض باعساس من بين القيادات الميدانية التي تم اعتقالها مع كوكبة من القيادات الذين امتلأت بهم سجون المكلا في عام 2009، في محاولة من نظام صنعاء لكسر الإرادة الفولاذية لشعب الجنوب. لكنه لم يستطع، رغم استخدامه مختلف الوسائل، بما فيها شراء الذمم والاعتقال والتهديد بالقتل وغيرها من وسائل الترهيب.
خلال فترة اعتقالي في سجن المكلا المركزي من قبل نظام الاحتلال اليمني، بسبب نشاطي السياسي في الحراك الجنوبي، التقيت برفيق النضال، المناضل الفذ عوض باعساس، مع كوكبة من قيادات النضال السلمي في حضرموت. لقد ذقنا معاً مرارة التعذيب الجسدي والنفسي الذي مارسته قوات الاحتلال اليمني، المتمثلة بالأمن المركزي، الذي كان يتعامل مع معتقلي الحراك بوحشية يملؤها الحقد الدفين. كانوا يمنعون عنا الطعام الذي يأتي للمعتقلين كوسيلة للضغط النفسي علينا.
ما زلت أتذكر الكثير من المواقف البطولية والشجاعة لرفيق الزنازين والمعتقلات، المناضل الصلب عوض باعساس، ربنا يشفيه ويطيل في عمره. تلك المواقف ما زالت محفورة في ذاكرتي ولن أنساها ما حييت.
نعم، لقد تقاسمنا مرارة المعاناة في الزنزانة رقم 11، مع جميع المعتقلين الذين كانوا معنا. كما تقاسمنا كسرة الخبز وكوب الماء والغذاء الذي كان يصل إلينا بصعوبة، بمساعدة بعض الجنود الحضارم الأوفياء. وكما عرفته مناضلاً صلباً في ساحات النضال، وجدته كذلك في الزنزانة المظلمة؛ متسامحاً ووفياً مع الجميع. تحمل معنا صنوف العذاب والقهر والحرمان، ورغم معاناته من مرض خطير، صمد صمود الأبطال في ساحات الوغى، وتعلمنا منه الكثير من دروس النضال والتضحية.
ألف تحية للعميد الركن سعيد أحمد المحمدي، رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت، على اللفتة الإنسانية الكريمة التي قام بها بتقديمه دراجة للمناضل عوض عمر باعساس، الذي يعاني اليوم من الإعاقة بسبب إصابته بجلطة. هذه اللفتة وفاء لدوره النضالي البارز، ونتمنى له الشفاء العاجل بإذن الله. أبو أحمد معروف بمواقفه البطولية الشجاعة والإنسانية مع أسر الشهداء والمناضلين الأوائل وأبناء المحافظة.