آخر تحديث :الجمعة - 24 يناير 2025 - 09:29 م

اخبار وتقارير


صلاة واستجداء.. تسول يتفاقم في مساجد عدن

الجمعة - 24 يناير 2025 - 10:21 ص بتوقيت عدن

صلاة واستجداء.. تسول يتفاقم في مساجد عدن

عدن تايم/ خاص


تشهد العاصمة عدن في الآونة الأخيرة تفاقمًا واضحًا في ظاهرة التسول، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد اليومي في المدينة, ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية واستمرار انقطاع المرتبات وانهيار العملة المحلية، لم يعد التسول مقتصرًا على الطرقات والأماكن العامة، بل امتد إلى المساجد، حيث يقف العشرات بعد كل صلاة يطلبون المساعدة ويشكون ظروفهم المعيشية القاسية.

هذه الظاهرة أثارت جدلًا واسعًا بين المواطنين، وانقسمت الآراء بشأنها بين متعاطف ومنتقد.

رأي المواطنين: بين التعاطف والانتقاد

مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليمن، يرى بعض المواطنين أن التسول داخل المساجد أمر مبرر في ظل الحاجة الماسة التي يمر بها الكثيرون. يقول "احمد السوادي"، وهو أحد المصلين في مسجد بمنطقة خور مكسر:

"الناس يلجؤون إلى المساجد لأنها أماكن تجمع، وقد يجد المحتاجون من يساعدهم هنا في ظل هذه الأوضاع الصعبة، لا يمكننا أن نلوم هؤلاء الذين يسعون لسد رمقهم بأي وسيلة."

على الجانب الآخر، يعبر البعض عن استيائهم من انتشار هذه الظاهرة داخل المساجد، معتبرين أنها تشوه قدسية المكان وتسبب إزعاجًا للمصلين. يقول "ناصر المخزم"، أحد سكان مديرية المعلا: "المسجد هو مكان للعبادة والخشوع، وليس للتسول هذه الظاهرة تزعج المصلين وتشوه صورة المسجد هناك أماكن أخرى يمكن أن يلجأ إليها المحتاجون."

بينما يرى "جلال صالح"، وهي ناشط اجتماعي، أن الحل يكمن في تنظيم هذه الظاهرة من خلال دور أئمة المساجد:

"أعتقد أنه يجب على أئمة المساجد أن يطلبوا من المتسولين الوقوف عند الأبواب الخارجية للمسجد وليس داخله بهذه الطريقة نحترم قدسية المكان وفي الوقت نفسه نساعد المحتاجين على إيجاد من يتعاطف معهم."

التحركات الرسمية للتصدي للظاهرة

أمام انتشار ظاهرة التسول في عدن، وكانت السلطات المحلية وجهت باتخاذ إجراءات عاجلة للحد منها وأصدرت الإدارة العامة للجان المجتمعية توجيهات لرؤساء اللجان في مديريات المدينة، استجابة لتعليمات وزير الدولة ومحافظ عدن أحمد لملس التوجيهات نصت على منع التسول في الأماكن العامة، بما في ذلك الشوارع، المطاعم، شركات الصرافة، المساجد، والمولات، مع التنسيق مع السلطات الأمنية لضمان التنفيذ الفعلي.

ورغم هذه الجهود، لا تزال الظاهرة مستمرة، وهو ما يعكس تعقيد المشكلة وتشابكها مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المدينة والبلاد بشكل عام.

التسول بين الحاجة والاستغلال الإجرامي

التسول ليس ظاهرة جديدة على المجتمعات، ولكنه في عدن تجاوز الحاجة الملحة ليأخذ أبعادًا أخرى فإلى جانب المحتاجين الفعليين، هناك تقارير تشير إلى وجود شبكات منظمة تستغل الظاهرة لتحقيق مكاسب مالية وتعمل هذه الشبكات على توظيف الأطفال والنساء وحتى الأشخاص ذوي الإعاقة لجذب التعاطف، ما يجعل التسول وسيلة لاستغلال الفئات الهشة في المجتمع.

ويضيف "صالح عادل "، وهو أحد العاملين في المجال الإنساني بعدن: "لا يمكن إنكار أن هناك محتاجين حقيقيين، لكن في الوقت نفسه هناك من يستغل هذه الظروف للحصول على المال بسهولة، بل ويديرون شبكات لهذا الغرض هذا أمر خطير ويحتاج إلى مواجهة صارمة من السلطات."

عدن ليست استثناءً

ظاهرة التسول في عدن ليست حكرًا على المدينة، بل هي جزء من أزمة أوسع تشمل مختلف المناطق اليمنية سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو في المناطق التابعة للحكومة الشرعية، يعاني اليمن من تفاقم ظاهرة التسول نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية التي تسببت بها الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.

ويشير تقرير صادر عن إحدى المنظمات المحلية إلى أن النزوح الداخلي والفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة هي الأسباب الرئيسية وراء انتشار هذه الظاهرة. كما أن انهيار الخدمات الأساسية أدى إلى زيادة الضغط على العائلات ودفع الكثيرين إلى اللجوء للتسول كوسيلة للبقاء.

الموقف القانوني من التسول

فيما يتعلق بالجانب القانوني، ينص القانون اليمني على معاقبة المتسولين الذين لديهم وسائل مشروعة للعيش بالسجن لمدة لا تزيد على ستة أشهر وتشتد العقوبة لتصل إلى سنة في حال كان التسول مصحوبًا بادعاء عاهة، التهديد، أو استغلال الأطفال لكن، ورغم وجود هذا النص القانوني، يواجه تطبيقه تحديات كبيرة في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد.

انعكاسات الظاهرة على المجتمع والزوار

التسول داخل المساجد وفي الشوارع لا يؤثر فقط على سكان عدن، بل يترك انطباعًا سلبيًا لدى زوار المدينة يرى كثيرون أن انتشار هذه الظاهرة يشوه صورة عدن كمدينة ساحلية ذات تاريخ عريق، فضلًا عن تأثيراتها السلبية على النسيج الاجتماعي.

ويختتم "هاني الاحمدي"، أحد سكان المدينة، حديثه قائلًا:"إذا استمرت هذه الظاهرة دون حلول جذرية، سنجد أنفسنا أمام تحديات اجتماعية أكبر المطلوب هو معالجة الأسباب الحقيقية، من تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص العمل إلى التصدي للشبكات التي تستغل المحتاجين."

بين التعاطف مع المحتاجين الحقيقيين والرغبة في الحفاظ على قدسية المساجد، تظل ظاهرة التسول في عدن مرآة واضحة للأزمة الشاملة التي تعصف بالبلاد.