آخر تحديث :السبت - 25 يناير 2025 - 08:20 ص

كتابات


إصلاح التعليم في مسار العدالة الانتقالية

السبت - 25 يناير 2025 - 12:07 ص بتوقيت عدن

إصلاح التعليم في مسار العدالة الانتقالية

د. ضياء خالد محيرز

يقاس تقدم المجتمعات بالتطور المضطرد للتعليم، واليوم يشهد عالمنا تحولا ثوريا وتحديات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتتسابق الدول الكبرى إلى الاستثمار في تدريب المعلمين والتلاميذ على الاستخدام المدروس لهذه التكنولوجيا في التعليم، في حين أن نظام التعليم الحالي في اليمن يعيش واقعا مأساويا؛ نتيجة إخفاقات متراكمة للسياسات التعليمية المتبناة سابقا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب التي اندلعت منذ 2015م. فالحرب سببت أزمة تعليم تفوق في حدتها وأثرها الأزمة السياسية والعسكرية، كون الأخيرة يمكن انهائها على طاولة المفاوضات وحين التوصل إلى اتفاق سلام بين أطراف النزاع، بينما أزمة التعليم ستستمر تداعياتها إلى أمد غير معلوم. حيث تشهد المنظومة التعليمية تدهور خطير في البنية التحتية، وشحة الموارد، وانقطاع عدد كبير من الطلاب عن الدراسة، وبحسب تقديرات منظمة اليونيسف في عام 2024م، يوجد 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة. والمؤسف أن هذه النسب في تصاعد؛ مما ينبأ بكارثة مستقبلية لليمن تتمثل في جيل قادم من الأميين، وسيؤثر ذلك حتما على التعافي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنمية الشاملة المرتقبة للمجتمع في فترة ما بعد الحرب.

إن مستقبل اليمن يتطلب ثورة تغير مفاهيم كثيرة ترسخت في المجتمع عبر السنين، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق “التربية والتعليم” باعتباره أحد المحاور الاجتماعية المهمة التي يجب العمل عليها لإحداث التغيير المرغوب به، فالحروب تولد أولا في عقول البشر، وفي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام. وتأسيسا على ذلك من الضروري بمكان التهيئة للمرحلة القادمة، ودعم تطبيق آليات العدالة الانتقالية من خلال التعليم – المدرسة والجامعة، فنحن نحتاج إلى تدريس تاريخنا في إطار تحليلي نقدي، يشجع الطلاب على معرفة جذور الخلافات المجتمعية التي أدت إلى هذا الصراع، وكيفية ظهور السلوكيات المعززة له، والدروس المستخلصة، والطرق والأساليب لمعالجة أرث الماضي وبناء ذاكرة جماعية لما بعد النزاع، وحل النزاعات بصورة سلمية، وخلق الظروف المواتية لتحقيق السلام المستدام ومنع تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة باعتباره هدفا جوهريا للعدالة الانتقالية.

وعلى جانب آخر فأن التعليم باعتباره حقاً إنسانياً وضروريا وفقا للقوانين الوطنية والدولية؛ فإنه يجب ضمانه بالقدر الكافي والمناسب لكل أبناء الوطن، وعلى الدولة أن تتحمل المسئولية في بني سياسات معدَّة لتقديم تعليما يليق بالعصر، ويتسم بالجودة، ويشجع على التفكير النقدي والمستقل، ويساعد على الإبداع والابتكار، والبحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي، وبما يسمح بوجود هامش عالي من الوعي بالحقوق والحريات المختلفة، مع مراعاة الاحتياجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليمني. كما يجب التركيز على تغيير المضامين التدريسية بحيث تكون كتب التدريس خالية من التعبير عن أي سياسات خاصة ومنحازة لطرف معين، من حيث الرموز، والمعلومات التاريخية، والسرد أو فيها إلغاء لطرف، ويجب ربطها بالسلوكيات المرتبطة بالديمقراطية، وغرس قيم التسامح والمصالحة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، وتعزيز سيادة القانون، ومحاربة العنف والتطرف لمنع تكرار الانتهاكات من جديد. كما يجب إيلاء اهتمام بتدريب الطواقم التدريسية وتجهيزهم وتأهيلهم تربوياً ليعكسوا وجهة نظر الدولة المدنية الحديثة في ظل المرحلة الانتقالية.

وعلى صعيد آخر يجب وضع برامج ومشاريع تتعلق ببناء المدارس وتجهيزها بالموارد التعليمية اللازمة وتحسين جودة التعليم، وضمان حق الأطفال في حصولهم على تعليم آمن ونوعي في جميع الأوقات، بغض النظر عن الظروف القائمة. والحرص تبني نهج تشاركي بين كافة الفئات المجتمعية من الأطفال والشباب من الجنسين والفئات المهمشة والمتضررة من النزاع لسد الفجوة فيما بينها، واستعادة نسيج المجتمع المحلي الاجتماعي الذي مزقته الحرب. ونشدد في هذا الصدد على ضرورة ادراج مادة تعليم حقوق الإنسان والمواطنة في المناهج الدراسية بحيث توظف فيها كل مضامين العدالة الانتقالية ليصبح التعليم قوة من أجل السلام والتلاحم الاجتماعي والكرامة الإنسانية.

وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تضع إعادة بناء التعليم في قائمة أولوياتها، وتبادر إلى إعداد خطة طوارئ تكون واقعية، ومحددة، وسهلة التنفيذ، وتراعي التوقيت، والتسلسل، والفرص، والجدوى، وتستخدم الموارد المتاحة بفعالية، بمعنى أن تكون خطة يمكن تنفيذها سياسيا وماديا، ومن ثم يمكن التوسع في نطاقها لاحقا عندما يكون ذلك ممكنا. وبطبيعة الحال يجب أن يسبق ذلك تقييم النظام التعليمي الحالي، ومن ثم اتخاذ خطوات لمعالجة وإزا…